إثبات العجز البشري في مواجهة التحدي القرآني الخالد بالإتيان بسورة من مثله ولزوم الإقرار به والتسليم له

nephrons
6 min readDec 1, 2021

--

ـ قل لئن اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ـ

بعد مرور خمسة عشر قرنا على تحدي القرآن الكريم الخالد للبشرية جمعاء بالإتيان بمثله أو بسورة من مثله لنقض حقيقة مصدره العلوي الإلهي وبالتالي إبطال دعوى النبوة وحقيقة الإسلام كدين سماوي، وبالرغم من طول المدة وبساطة التحدي وتعاقب الأعداء وتضافر الجهود ولزوم المواجهة وبكل ما يتوافر من قدرات لا نجد حتى يومنا هذا أحدا استطاع ابطال هذا التحدي ولو بسورة قصيرة من مثله (سورة الكوثر مثلا مؤلفة من عشر كلمات فقط)، وبالرغم من محاولات عديدة جادة حثيثة ومضنية كان من آخرها في عصرنا الحاضر كتاب الفرقان الحق (المزعوم) لأنيس شروش الفلسطيني المنشأ والمسيحي الديانة والمقيم في كندا والذي أمضى سنوات طويلة من عمره في صياغة كتابه بدعم مادي لا محدود من الدولتين العبرية والأمريكية في محاولة لإبطاء انتشار الإسلام العالمي المتنامي بحدة ولكن المشروع انتهى بفشل ذريع يبرهن ويشهد على استحالة المهمة (يتوفر الكتاب مجانا كنسخة الكترونية على الشبكة العالمية ويباع مطبوعا لدى متجر أمازون)، وأدرج بإيجاز أهم مظاهر وأسباب استحالة مواجهة التحدي في ما يلي من نقاط

ـ 1 ـ أن التحدي بالإتيان بمثله أو حتى بسورة من مثله لا يستدعي تأليف نص جديد فالمهمة ظاهريا سهلة كون المكتبة العالمية تذخر بمئات ملايين النصوص والكتب في كافة العلوم والفنون بما فيها الكتب السماوية السابقة لأهل الكتاب أو الكتب الدينية للعقائد المختلفة، إضافة إلى كتب الأدب بجميع أطيافها وألوانها، فكل المطلوب لتسهيل مهمة التحدي هو فقط إحضار نص يشبه (ويعارض أدبيا) النص القرآني الفريد حسب أصول المعارضة الأدبية المعروفة والمتفق عليها

ـ 2 ـ ومن المفهوم بداهة أن كل الكتب تشترك في كونها مؤلفة من حروف وكلمات وضمائر وأسماء وأفعال وجمل اسمية وفعلية …إلخ، وبذلك لا يكون التحدي على هذا الأساس وإنما على غزارة الأفكار والمعاني وصياغتها بسلاسة موجزة ومحتوية على ألوان البلاغة والبديع التي تميز بها النص القرآني ومنها ما نشأ منه ابتداء، ومنها ما تفرد به انتهاء، كما سنوضح في مثال سورة الفاتحة تاليا كونها مقدمة الكتاب وأهم سوره كما أنها سورة قصيرة ومؤلفة فقط من تسع وعشرين كلمة

ـ 3 ـ تتم المقارنة بين النصيين أدبيا على ما هو متعارف عليه، فمثلا عندما أراد أمير الشعراء أحمد شوقي معارضة قصيدة البحتري السينية الشهيرة ومطلعها صنت نفسي عما يدنس نفسي، أتى شوقي بقصيدة جديدة تماما بالكلمات والجمل والأفكار والمعاني، لكنها تشبهها بالبحر والقافية وفنون البلاغة والبديع ومطلعها اختلاف النهار والليل ينسي، وقد أجمع النقاد على تفوق قصيدة شوقي على القصيدة الأصلية للبحتري، وبالتالي فإن معارضة النص القرآني والإتيان بمثله لا يعني بحال من الأحوال اقتباس وسرقة مقاطع منه وتحويرها بتغيير بعض الكلمات هنا وهناك، بل لابد من نص مغاير بالكلمات والجمل والأفكار ولكن مماثل بفنون البلاغة والبديع والإيجاز وغزارتها في النص

ـ 4 ـ وللاختصار والبيان نأخذ سورة الفاتحة كمثال للتحدي ونرى بعض الخصائص الفريدة لأسلوبها المعجز الذي تفردت به والذي لا يمكن تواجده في أي نص آخر من ملايين النصوص التي تذخر بها المكتبة الأدبية العالمية والعربية خصوصا

ـ 5 ـ الجملة الأولى في سورة الفاتحة وتعرف بالبسملة مؤلفة من أربع كلمات فقط، بسم الله الرحمن الرحيم، هذه الجملة كتبت بطريقة خاصة فريدة هادفة لا مثيل لها في الأدب العربي أو حتى العالمي!! حيث كتبت الكلمات الثلاث الأول مغايرة لقواعد الكتابة والإملاء المعروفة باللغة العربية (بسم الله الرحمن بدل باسم اللاه الرحمان) متبعة لقواعد جديدة أرساها الرسم القرآني المتميز لتعزيز وإثراء المعاني بما يعرف اصطلاحا بقواعد الرسم القرآني الخاص بالقرآن الكريم، ولا يوجد نص آخر في اللغة العربية غير النص القرآني ولا حتى نص الحديث الشريف كتب أو يكتب على هذا المنوال الدقيق العجيب المتناغم الذي لم تكتشف بعض اسراره إلا حديثا، كون الجيل الأول الذي تنزل عليه القرآن الكريم كان أميا وكان جل تعامله مع القرآن المتلو من الصدور لا الكتاب المدون في السطور

ـ 6 ـ فعلى مستوى الكلمة ونأخذ الكلمة الأولى من القرآن الكريم مثالا، حيث كتبت (بسم) بحذف الألف والأصل كان أن تكتب (باسم) بإثبات الألف، فما الهدف والحكمة من ذلك؟ وعند البحث والتدقيق في مجمل النص القرآني نجد نسقا مضطردا لا عشوائيا فكل كلمة بسم اتصلت بلفظ الجلالة الله كتبت بحذف الألف (بسم الله) في حين أن كل كلمة باسم اتصلت بلفظ الربوبية كتبت بإثبات الألف (باسم ربك) وذلك خدمة وإثراء وتناغما مع المعنى والاختلاف بين لفظي الربوبية والألوهية

وقد امتلأ النص القرآني بهذا اللون الفريد بكلمات عديدة كان بعضها يختلف رسمه بنفس النص بل وبنفس السطر أذكر من ذلك على سبيل المثال لا الحصر الكلمات التالية (كتاب كتب، صاحبه صحبه، ميعاد ميعد، تبارك تبرك، وغيرها كثير) فهل يستطيع أحد أن يؤلف أو أن يجد في كل كتب البشر شيئا لطيفا دقيقا حكيما مثل هذا؟ وللمزيد من التفصيل يرجى مراجعة الموضوع على الرابط التالي ـــ الرسم القرآني المعجز

ـ 7 ـ وقد تضمنت سورة الفاتحة القصيرة المئات من ألوان وفنون البلاغة والبديع التي حيرت الأدباء لغزارتها وسلاستها وإيجازها بالرغم من تلخيصها المذهل لمبادئ العقيدة الإسلامية بلطف بالغ، وقد ألفت لبيان ذلك آلاف المجلدات والكتب والأسفار مما لا يتسع المجال لمجرد تعداده ولكني أشير إلى أحد هذه الفنون الدقيقة اللطيفة التي تميز بها النص القرآني الكريم بغزارة وهو أسلوب الالتفات حيث تتغير صيغة النص فجأة من حال إلى حال خدمة وتناغما مع معنى ضمني دقيق فمثلا ابتدأت الآيات الأولى من سورة الفاتحة بالحديث عن الله سبحانه والثناء عليه بصيغة الغائب (الحمدلله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين) ثم انتقلت فجأة إلى صيغة المخاطب (إياك نعبد وإياك نستعين)، وذلك لأن المدح أجمل وأكمل وأصدق ما يكون بصيغة الغائب، في حين أن العبادة والاستعانة تستلزم الحضور فتحول النص عندها من ضمير الغائب (هو) إلى ضمير المخاطب (أنت) تكاملا وتناغما مع مقتضى النص فأين عيون كتب الأدب العالمي من هذا اللون البديع اللطيف من البلاغة؟

ـ 8 ـ ولمزيد من الإيضاح أذكر لونا من البديع خاصا بالقرآن الكريم ومنتشر به بكثرة في حين تخلو منه النصوص الأدبية البشرية وهو أسلوب هندسي لغوي معقد أول من اكتشفه في النص القرآني وأشار إليه سيبويه في القرن الهجري الثاني ويسمى بأسلوب الاحتباك أو الحذف المتناظر، ومن أمثلته قوله سبحانه في سورة آل عمران
“قد كان لكم آية في فئتين التقتا، فئة تقاتل في سبيل الله، وأخرى كافرة”

فتأمل هذا الأسلوب العجيب المعجز من الحذف المتناظر فأصل النص كان يجب أن يكون
“فئة مؤمنة تقاتل في سبيل الله، وأخرى كافرة تقاتل في سبيل الطاغوت”
ولكنه حذف كلمة مؤمنة من النص في الجملة الأولى بدلالة ما دل عليها في الجملة الثانية وهي كلمة كافرة، في حين حذف من الجملة الثانية كلمات (تقاتل في سبيل الطاغوت) بدلالة ما دل عليها في الجملة الأولى وهي كلمات (تقاتل في سبيل الله)، وبالإضافة لبراعة الحذف والإيجاز المقصود لذاته فإن الهدف الأسمى لذلك هو التركيز على وإثبات أهم خصائص الفئة المؤمنة وهو الجهاد والقتال في سبيل الله فأثبته في النص وحذف كلمة مؤمنة، وبالمقابل فالتركيز كان على جريمة الكفر عموما بإثبات كلمة كافرة وحذف ما اتصل بها من صفة القتال في سبيل الطاغوت لأنه ليس بعد الكفر ذنب

ـ 9 ـ وبذلك نرى استحالة الإتيان بنص أدبي يماثل أو يضاهي القرآن الكريم بما يحوي من ألوان البديع والبلاغة والإعجاز، وهذه المحاولات المستميتة السابقة على مر القرون ماثلة، وهذه المكتبة العالمية تذخر ببلايين الكتب قائمة، وهذا الميدان لمن يريد أن يبطل التحدي مازال مفتوحا، ولكن أليست خمسة عشر قرنا من الزمان كافية للاعتراف والإقرار والتسليم بالمصدر الإلهي للقرآن الكريم والانقياد له، فلم يكن التحدي يوما لذاته بل للحث على الإيمان به واتباع أوامره واجتناب نواهيه والاستقامة على هداه ليصلح بذلك الفرد المجتمع في الحياة الدنيا، ولينجو المهتدون من العذاب ويفوزوا بالجنة في الآخرة

هذا وبالله التوفيق ومنه الهداية، وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين

لفهرس المواضيع الرجاء الضغط هـــــــــــــــنــــــــــــا

**********************

--

--

No responses yet