الرسم القرآني الفريد دليل علمي قطعي على أن القرآن الكريم هو كلام الله الحرفي المعجز المحفوظ
تتجدد وتتنوع مظاهر ووجوه إعجاز القرآن الكريم مع مرور الأيام بشكل مضطرد وهذا بحد ذاته دليل على علوية مصدره السماوي إذ أنه من البديهيات أن كتب المعارف البشرية تَخْلَق وتندثر مع تقادم الزمان وتتكَشف أخطائها المخالفة للتطور المضطرد للمعارف والعلوم، إلا أنه ومن بين جميع ألوان الإعجاز فإن إعجازالرسم القرآني هو الأحدث والأوثق لثبوته وتميزه ولسهولة ملاحظته والتأكد من صحته حسب المنهج العلمي المعتمد وذلك لكل الناطقين بلغة القرآن الكريم العربية
ومن خصائص هذا اللون من الإعجاز كثرة انتشاره وتميزه في عموم النص القرآني الكريم فلا تكاد تخلو صفحة من صفحات المصحف الشريف من العديد من أمثلته وظواهره الفريدة
وللدلالة والتوضيح نبدأ بالجملة الأولى من القرآن الكريم وهي البسملة “بسم الله الرحمن الرحيم” والتي هي فاتحة الفاتحة (فاتحة القرآن الكريم وأعظم سوره)، وفاتحة كل سوره، وأكثر آياته تكرارا، إذ أنها تكررت 114 مرة في كامل المصحف الشريف، وهي مؤلفة من أربع كلمات فقط، والعجيب أن ثلاث كلمات منها خالفت الرسم الإملائي المعروف لحكم جلية تثري المعاني والدلالات، ومن البديهي أن هذا النسق لا يمكن أن يكون خطأ بشريا ارتكبه كتاب الوحي الحاذقون، وأقره بلغاء الصحابة والتابعون
ونبدأ بالكلمة الأولى منها وهي “باسم” وكُتبت في كل بسملات القرآن الكريم مخالفة للرسم الإملائي وذلك بحذف الألف على الهيأة “بسم” وذلك لحكمة جلية يتطلبها السياق، في حين أنها حافظت على رسمها المعتاد بإثبات الألف في مواقع كثيرة منسجمة مع معاني وأهداف النص في كل مرة، في وتيرة ثابتة أفضت إلى تقسيمها إلى وجهين (حذف أو إثبات الألف) ونسقين (إضافتها إلى كلمة الرب أوإلى لفظ الجلالة الله)
عند البحث عن كلمة أمهات في القرآن الكريم نجد أنها تكررت إحدى عشر مرة في ثماني آيات من سبع سور، وهي كما نرى في الصورة أعلاه مميزة باللون الأصفر وأنها في كل المرات بدون استثناء تميزت عن الرسم الإملائي المعتاد (امهات) وكتبت بحذف الألف (امهت) إيحاء لطبيعة العلاقة اللصيقة الجسدية والنفسية وغياب أي حاجز بين الأمهات وأبنائهم، في حين أن النتيجة الثالثة أعلاه في الآية 61 من سورة النور ذكر فيها أيضا الآباء والإخوة والأخوات فنلاحظ أن كلمة الآباء كتبت بإثبات حرف الألف كما في الرسم الإملائي القياسي المعتاد (ابائكم) في حين أن ألف الأمهات والإخوان والأخوات قد حذفت (امهت، اخونكم، أخوتكم)
وهو كما افترضنا وتوقعنا يشير إلى حالة البعد أو القرب النسبي بين الأباء من جهة والأمهات والإخوة من جهة ثانية، وللمزيد من التأكيد نجري بحثا عن كلمة الآباء في كل القرآن الكريم
فنجدها تكررت خمس وعشرون مرة في واحدة وعشرين آية في خمس عشر سور وهي مظللة باللون الأخضر أعلاه ورسمت جميعها بلا استثناء حسب الرسم الإملائي المعروف باثبات الألف (آباء)، وفي نفس الآيات نجد كلمات الإخوان والأخوات المظللة باللون الأصفر أعلاه قد تكررت ست مرات جميعها بلا استثناء كتبت مخالفة للرسم الإملائي المعتاد وذلك بحذف الألف للدلالة على صلة القرب بين الإخوة
وبنفس الطريقة نقوم بالبحث عن الكلمات المرادفة للأمهات والآباء في القرآن الكريم وهي الوالد والوالدة ومشتقاتهما ونرى هل تختلف أو تتطابق النتائج
وكما توقعنا نجد بالنتيجة أن تكرار مشتقات كلمة والد تكررت في كامل النص القرآني ثمان وعشرون مرة في ثلاث عشر سورة منها ثنتا وعشرون كلمة والدين (اللون الأزرق) كتبت جميعها مغايرة للرسم الإملائي المعتاد وذلك بحذف حرف الألف (ولدين) و أربع مرات كلمة والدة (اللون الأخضر) كتبت جميعها مخالفة للرسم الإملائي بحذف الألف (ولدة) وثلاث كلمات للوالد (اللون الأصفر) وكتبت جميعها موافقة للرسم الإملائي بإثبات حرف الألف (والد)، والحقيقة أن هذه النتيجة مبهرة وقاطعة ولا يمكن بحال تعليلها بالصدفة العشواء لاستحالة ذلك، ولا بالمصدر البشري لانتفاء ذلك
ولمزيد من الفائدة في بيان تكامل وجوه الإعجاز وتناسقها نعرج على موضوع الترادف بين المفردات وهل يوجد ترادف في كلمات القرآن الكريم ونضرب لذلك مثلا كلمتي الأبوين والوالدين هل هما مترادفتان بحيث يمكن الإستغناء بإحداهما عن الأخرى أم لا؟
عند البحث عن الآيات التي وردت فيها إحدى الكلمتين أبويه أو والديه نجدهما قد توزعتا على الآيات الكريمة بدقة متناهية حسب سياق الآيات بحيث أنه لا يمكن استبدال إحداهما بالأخرى دون أن يتأثر المعنى الدقيق لكل منهما ونبين هذا في مجموعة من الآيات الكريمة التي تمثل النسق العام لكل آيات القرآن الكريم
في الآية 200 من سورة البقرة استخدمت كلمة الآباء بدل الوالدين لأن الفخر يكون بالآباء وليس الأمهات
في آية الميراث رقم 11 من سورة النساء استخدمت كلمة أبويه بدل والديه بالرغم من إعطاءهما نفس قيمة الميراث بالتساوي وذلك لأن حق الأب مقدم لأن ماله للإنفاق على عائلته فهو مكلف بذلك أما مال الأم فهو لها خصوصا للحفظ مثلا ولها حرية الأحتفاظ به لنفسها
أما في سورة يوسف في الآيتين 99 و100 فاستخدم لفظ الأبوين لأن الأب نبي كريم مقدم والأم ليست الوالدة الحقيقية بل زوجة الأب
في الآية 5 من سورة الأحزاب استخدم كلمة الآباء بدل الوالدين لأن الإلحاق بالنسب يكون للأب وليس الأم
في الآية 23 من سورة الزخرف استخدم كلمة الآباء لأن الإتباع في المعتقد يكون عادة تابعا للأب
في الآية 14 من سورة مريم استخدم كلمة والديه عوضا عن أبويه لأن البر بالأم الوالدة مقدم على البر بالأب
في الآيات 8 عنكبوت، 14 لقمان، 15 أحقاف توصية بالوالدين وحق الأم هنا مقدم فلذلك لم يستخدم كلمة أبويه بل والديه
أما الآية 17 من سورة الأحقاف فاستخدم كلمة الوالدين لأن الأم أكثر تأثرا بعقوق الإبن من الأب
وهكذا نرى هذه الدقة العجيبة في القرآن الكريم والتي هي ليست بقدرة البشر، وكمثال على ذلك والذي يثبت تمييز اسلوب القرآن الكريم حتى عن اسلوب الحديث الشريف هو ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح التالي
فالحديث استخدم كلمة أبواه في حين أن اسلوب القرآن الكريم كما رأينا في الأمثلة السابقة استخدم كلمة والداه في هذا المقام فإن حق الأم مقدم وحسن الصحبة على حق الأب والجنة عند قدمها كما في الحديث الشريف
هذا والله سبحانه أعلم وأحكم وما كان من صواب فمنه وحده وما كان من خطأ فمني وحدي وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين