تعود فكرة التقويم الكوني الافتراضي لعالم الفلك الراحل كارل ساغان في الربع الأخيرللقرن العشرين والتي اقترحها لتبسيط تصور، وفهم نشوء وتطور الأحداث الكونية منذ اللحظة الأولى للانفجار العظيم قبل 13.8 بليون سنة وحتى يومنا هذا، حيث اعتمد سنة ميلادية واحدة لتمثل هذه الفترة الزمنية الهائلة، ابتدئ فيها الكون لحظة الانفجار العظيم تمام منتصف ليل الأول من كانون الثاني، وتتابعت الأحداث الكونية حتى الآن ونحن نعيش حاليا في الثانية الأخيرة قبل منتصف ليل الحادي والثلاثين من شهر كانون الأول وذلك حسب الرسم أدناه
ويمثل الشهر الواحد في هذا التقويم فترة 1.1 بليون سنة، ونرى أن مجرة درب التبانة قد تشكلت في الشهر الثالث آذار، في حين أن المجموعة الشمسية وكواكبها تشكلت في الشهر الثامن، وظهر الحيوان الأول في اليوم الرابع عشر من كانون الأول، والثديات في اليوم السادس والعشرين، وظهر الإنسان الساعة 11:52 قبل منتصف ليل الواحد والثلاثين من شهر كانون الأول، وبنى أهرامات الجيزة في مصر بعدها بسبع دقائق، ووصل كولمبس الى سواحل أمريكا قبل ثانيتين من منتصف الليل، وابتدأت الحرب الروسية الأكرانية الآن في الثانية الأخيرة قبل منتصف الليل، ولا زالت الأحداث الحالية والمستقبلية تنضغط تباعا وتضاف للتقويم في الثانية الأخيرة قبل منتصف الليل دافعة ما قبلها إلى الوراء
وبفضل هذه الفكرة اتضحت فكرة خلق السماوات والأرض في ستة أيام حسب آيات القرآن الكريم والتي ضغطت بشكل مشابه عمر الكون منذ البداية وحتى يوم القيامة بستة أيام فقط، فجميع البشر من أولهم الى آخرهم، بل وجميع الكائنات الحية كلهم هم أبناء اليوم السادس الأطول مدى، والمستمر حتى النهاية وقيام الساعة، وذلك حسب الرسم التالي
ولا شك أن تمثيل القرآن الكريم لخلق الكون في ستة أيام وتطابقه مع هذا الفهم الحالي لمراحل خلق الكون حسب ما يبينه هذا الرسم العلمي الواقعي الحديث أدق وأوضح من المفترض من قبل العالم ساغان والذي قسم زمن الكون على الشهور والأيام بالتساوي، في حين أن فكرة الستة أيام تظهر بوضوح التناسب العكسي بين طول الأيام مع حجم وكثافة ودرجة حرارة الكون، فاليوم الأول كان متناهي القصر بجزء ضئيل من أعشار الثانية الأولى، في حين أن اليوم السادس متناهي الطول وممتد لبلايين السنين، ومع ذلك فإن الاحداث التي وقعت في اليوم الأول القصير أعظم وأهم من تلك التي وقعت في الأيام الطويلة كاليوم الرابع أو الخامس أو حتى السادس، حيث انخفضت شدة الحرارة الهائلة والسرعة الفائقة لتمدد الكون بشدة
كما نرصد أيضا دقة أحداث خلق السماوات والأرض المتطابقة مع الآيات الكريمة في سورة فصلت، حيث اكتمل تشكل الأرض في أربعة أيام من الستة وذلك قبل أربع بلايين ونصف سنة وهو المعادل لتشكلها في الشهر الثامن حسب التقويم الكوني لساغان وفي الحالتين يعادل ثلثي عمر الكون (13.8 بليون سنة)، ثم تشكل بعد ذلك في آخر يومين الغلاف الجوي وطبقة الأوزون التي تمثل طبقة حماية وحفظ، سمحت للحياة بالظهور والاستمرار على سطح الأرض، كما أعطت للنجوم مظهرها المتلألىء كالمصابيح ليلا في السماء الدنيا والتي هي في الواقع هذه الطبقة من الغلاف الجوي التي تعلو سطح الأرض
فإذا اتضحت لنا الآن فكرة خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وعلمنا أن اليوم السادس مستمر إلى يوم القيامة، اتضح لنا بذلك المعنى الجليل للآية الكريمة في سورة طه “الرحمن على العرش استوى” والتي كانت من المعضلات التفسيرية التي أشكلت على المفسرين من القرن الهجري الأول مخافة الوقوع في التجسيم والتشبيه، ولقد تكررت الآيات التي تذكر استواء الرحمن على العرش بعد انقضاء خلق السماوات والأرض في ستة أيام في القران الكريم عدة مرات ومنها الواردة في سورتي الفرقان والسجدة تاليا
وبذلك يتضح أن المعنى المقصود من استواء الله سبحانه على العرش هو مجازيا وكناية عن تفرده عز وجل على عرش الملك بعد زوال السماوات والأرض يوم القيامة وزوال عروش ملوك الأرض جميعا: “لمن الملك اليوم، لله الواحد القهار”، وتفرغه يوم الدين (وهو لا يشغله سبحانه شيء عن شيء) “ملك يوم الدين” لحساب الثقلين على عرش الحكم والقضاء بالقسط “سنفرغ لكم أيه الثقلان”، وهذه كلها معان مجازية كناية عن عظمة الموقف وشدته، وذلك كقوله سبحانه كناية ومجازا: “يد الله فوق أيديهم”، وغيرها من الآيات التي يراد منها تأكيد العناية الإلهية بها
هذا والله أعلم وأحكم وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين
لفهرس المواضيع الرجاء الضغط هـــــــــــــــنــــــــــــا
^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^