مقاصد ودلالات التاء المبسوطة والتاء المربوطة لهاء التأنيث في الرسم القرآني الكريم
كما لاحظنا وأسهبنا في بيان عجائب حرف الألف في الرسم القرآني الفريد، فكذلك فإن لخصوصية كتابة هاء التأنيث في نهاية الكلمة بالتاء المبسوطة أوالمفتوحة (ت)عوضا عن المربوطة (ة) مقاصد ومعاني غاية في الرشاقة والجمال من حيث تحميل وتضمين النص لمعان ضرورية لا يحتمل النص إظهارها بكلمات إضافية لتشتت المعنى وترهل النص بما يعيبه، وهذا الفن القرآني الخالص لم يعرف قط في كتابات المؤلفين المبدعين من البشر ولا خطر لهم على بال، وسنبدأ بضرب الأمثلة لكلمات عديدة اتبعت نسقا مضطردا ينفي عنها تهم الخطأ أوالعشوائية ودعونا نبدأ بتأمل المثال الأول
هاتان الجملتان القرآنيتان من آيتين كريمتين مختلفتين من سورتي إبراهيم والنحل متماثلتان تماما في كل شيء باستثناء هاء التأنيث في كلمة نعمة المضافة إلى لفظ الجلالة الله حيث كتبت في المرة الأولى في سورة إبراهيم على الرسم الإملائي المعتاد بالتاء المربوطة في حين أنها كتبت في سورة النحل استثناء بالتاء المفتوحة، فالسؤال المشروع هنا هو ما تفسير هذا الإختلاف وسببه، وهل هو خطأ بشري عابر أم نسق لغوي مقصود هادف؟ ومن نافلة القول أن الجواب لا يكمن في النص القريب لتماثله بل يجب تأمل النص الكلي للآيات المجاورة لفهم الحكمة والمغزى لهكذا اختلاف
يعزوا المختصون في علم الرسم القرآني الإختلاف بين التاء المربوطة والتاء المفتوحة أن الأولى (ة) إنما تمثل مشهدا غيبيا غير ظاهر المعالم كليا أو جزئيا تماما مثل الجراب المربوط لا تعلم ما بداخله، في حين أن التاء المفتوحة (ت) إنما هي كالصحن المكشوف ظاهر المحتوى فهي بذلك تمثل مشهدا واقعيا حسيا مشهودا، وكما سنرى في مثالنا الأول المذكورأعلاه وما سيتبعه من أمثلة من آيات وكلمات كثيرة متعددة فإن هذا النسق ثابت مضطرد هادف لا يحتمل العشوائية أو الخظأ. وبالعودة إلى الآية 34 من سورة إبراهيم أعلاه فإن الآية إنما تقرر أن المنعم سبحانه وتعالى قد أنعم على الناس بما لا يحصى من النعم التي احتاجوها أو طلبوها وتوبخهم وهم قد عاينوها وتنعموا بها ولكنهم جحدوها وكفروها وأنكروها كفرا وجحودا فالمشهد هو وصف لنعم محسوسة لا تعد ولا تحصى من صحة وعافية ورزق وتوفيق وغيرها تجمل بنعم الإيجاد والإمداد، والهداية والرشاد. أما الآية 18 من سورة النحل فإنها أتت في سياق تعداد الكثير من النعم الدنيوية الخاصة والعامة التي أنعم الله سبحانه بها على عباده المؤمنين الذين يرجون رحمة الله ومغفرته، وبالتالي بالمزيد من النعم الخفية الموعودة في الدنيا والآخرة، فهب تصف مشهد غيب غير واضح التفاصيل ولذلك ناسبها كتابة هاء التأنيث لكلمة نعمة بالتاء المربوطة