الرسم العثماني للمصحف الشريف: عجائب حرف الألف في كتاب الله الحكيم (القرآن الكريم) 15

nephrons
3 min readMay 26, 2021

--

عبادالرحمن، عبٰدالرحمن

من مظاهر إعجاز القرآن الكريم وتميزه المبين عن تراث أُدباء البشر تنوع وتجدد وتفرد وتكامل ودقة وجوه الإعجاز بما لا يدع مجالا للشك لدى الباحث المنصف والطالب للحق في علوية مصدره واستحالة إتيان البشر بمثله ولواجتمعوا لذلك، ومن وجوه هذا الإعجاز المتجدد اليقيني والذي لم يُنتبه إليه إلا حديثا إعجاز الرسم القرآني الفريد، وكنا قد تناولنا بعضا من مظاهر هذا الإعجاز في شذرات سابقة واليوم نذكر مثلا جديدا للمعاني الفريدة الدقيقة التي تؤديها الألف الخنجرية عوضا عن الألف الممدودة في إثراء المعنى بلطف ودقة لم يعهدها فحول اللغة والبلاغة والأدب، وللتذكير ندرج في الجدول التالي بعض الفروق في المعاني المترتبة على اثبات أو حذف الألف الممدودة والاستعاضة عنها بالألف الخنجرية

جدول يوضح الفروق بين الألف الممدودة والألف الخنجرية

ومثالنا الحاضر هو كلمة عباد المضافة إلى اسم الرحمن وقد تكررت في كامل المصحف الشريف مرتين لا غير في الآيتين الكريمتين التاليتين

سورة الفرقان 63
سورة الزخرف 19

ونلاحظ أن عباد الرحمن في الآية من سورة الفرقان كتبت كالمعتاد بالألف الممدودة، ولكن العجيب أنها كتبت في آية سورة الزخرف بحذف الألف عبٰدالرحمن، فما دلالة وحكمة هذا المنحى؟

في المثل الأول من سورة الفرقان يتكلم السياق عن صفات عباد الرحمن في الحياة الدنيا ومن المعلوم أن الله سبحانه يحتجب عن خلقه وحتى عن أنبيائه الكرام في الحياة الدنيا ولذلك أثبتت الألف الممدودة لتدل على وجود هذا الحجاب إضافة إلى البعد الزماني حيث ما زالوا في الحياة الدنيا وفي مشهد حضور

أما المثل الثاني في سورة الزخرف فالسياق يتكلم عن الملائكة وهي مخلوقات نورانية لطيفة قريبة من مولاها لا يوجد بينها وبين الله سبحانه حجاب بالإضافة لكون المشهد مشهد غيب فناسب كل ذلك حذف الألف الممدودة والإستعاضة عنها بالألف الخنجرية

ويتناغم ويتكامل ويتأكد هذا المنحى البلاغي العجيب باستقراء الآيات الكريمة التي وردت فيها كلمة عبادي منفردة في كامل المصحف الشريف حبث تكررت في سبعة عشر موضعا كتبت كلها بالنمط المعهود بإثبات الألف الممدودة باستثناء موضعا واحدا في آخر سورة الفجر كما في القائمة التالية

فهذه الآية الكريمة من سورة الفجر تميزت في سياقها عن كل ما سواها من آيات كلمة عبادي أعلاه بأنها تتكلم عن العباد الصالحين بعد الموت ورجوع النفس المطمئنة إلى بارئها ودخولها الجنة وهذا لا شك مشهد قرب وقد زالت الحجب كما أنه مشهد غيب، في حين أن كلمات عبادي الأخرى إنما تتكلم في سياقها عن العباد في الحياة الدنيا وهو مشهد حضور والحجب ما زالت مسدلة والفاصل الزمني قائم

فسبحان الجليل اللطيف الذي خص كلامه بلآلىء بلاغية غاية في الدقة واللطافة والجمال لم تبلغها براعة الأدباء المبدعين الأولين منهم والآخرين وقد خفيت عليهم دلالاتها، فالرسم القرآني حُفظ بمشيئة الله على الكتبة الأولى التى كتيها حفاظ وكتاب الوحي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة التي كتبها زيد بن ثابت رضي الله عنه في العرضة الأخيرة في رمضان قبيل وفاته صلى الله عليه وسلم وبوجود أمين الوحي جبريل عليه السلام، وقد انتبه الكتاب من الصحابة والتابعين إلى تميز كتابة المصحف عن غيره فحرموا كتابته بأدنى تغييرعن الكتبة الأولى لإدراكهم أن لذلك حكمة أرادها الله سبحانه ولما يأتي زمانها بعد

هذا والله سبحانه أعلم وأحكم وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين

لفهرس المواضيع الرجاء الضغط هـــــــــــــــنــــــــــــا

^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^

--

--

No responses yet