وما قدروا الله حق قدره

كنت يوما برفقة شيخي واستاذي رحمه الله ونحن في طريقنا لحضور حلقة علم وذلك في أيام الصبا الباكر، فبادرني قائلا هل تعلم يا بني أن عالما واحدا أشد على الشيطان من ألف عابد؟ فقلت مستغربا وكيف ذاك يا سيدي؟ فقال إن الشيطان تمثل يوما لعابد وهو يحمل بيده خاتما، فسأل الشيطان العابد وهو يشير بيده إلى جبل قريب هل يستطيع الله أن يضع هذا الجبل الكبير داخل هذا الخاتم الصغير؟ فتردد العابد قليلا وهو يفكر ثم قال لا يمكن لأحد أن يضع هذا الجبل الكبير داخل هذا الخاتم الصغير!! فتولى الشيطان فرحا وأعاد الكرة مع ألف عابد أضلهم جميعا وأبطل إيمانهم لقلة علمهم، ثم إنه صادف عالما قليل حظ من العبادة فأعاد عليه نفس السؤال فرد عليه العالم مبتسما وما صعوبة ذلك على الله القادر إما على تكبير الخاتم أو تصغير الجبل وهو سبحانه على كل شيء قدير، فتولى الشيطان حسيرا مدبرا وهو يتمتم والله لقد أضللت بهذا السؤال قبلك ألف عابد

nephrons
3 min readDec 27, 2021

تذكرت هذه القصة بعد ذلك وأنا على مشارف الأربعين من عمري عندما علمت أن الله سبحانه يجمع الشمس العظيمة الحجم المنهارة إلى مركزها عند انتهاء أجلها مع كواكبها لتصبح كرة صغيرة على شكل ثقب أسود هائل الكثافة وأنه سبحانه أقسم بهذه الظاهرة لأهميتها في موضعين في القران الكريم “والنجم إذا هوى” في مطلع سورة النجم، و “فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس” في سياق سورة التكوير، وعند حدود هذا الثقب الأسود الصغير تتوقف المعارف البشرية وتعجز قوانين الفيزياء عن التفسير وحق لها ذلك

ثم أني عدت وتذكرت هذه القصة اليوم وقد بلغت الستين من عمري عندما علمت أن الله سبحانه بقدرته في يوم ما سيطوي السماء وما فيها لتصبح بحجم ذرة صغيرة هائلة الكثافة تعجز المعارف البشرية الحالية عن إدراك كنهها، لتعود بعد ذلك لتتمدد من جديد، ثم تعاود الإنكماش مرة بعد مرة وقد أشار القران الكريم إلى هذه الدورة في سورة الأنبياء الآية 30 “أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما” والآية 104 “يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين”. ورددت الآية الكريمة “وما قدروا الله حق قدره”، سبحانه جل جلاله وتقدست أسماؤه وعظم ثناؤه

وإذا كان هذا هو حال الكون كتاب الله المنظور فأنا اليوم على يقين أن كون الله المسطور (القرآن الكريم) قد أخفى الله في آياته وبين سطوره وكلماته دقائق المعارف كلها وما ذلك على الله بعزيز، وقد لمح الله سبحانه إلى ذلك بقوله في سورة الأعراف الآية 53 “هل ينظرون إلا تأويله، يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق”، وقوله في سورة النحل الآية 89 “ … ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء …”، وقد جاء في الأثر عن الحسن البصري برواية ابن ماجه وغيره أن الله أنزل مائة كتاب وأربعة كتب، جمع علمها في الأربعة، وجمع علم الأربعة في القرآن، وجمع علم القرآن في المفصَّل، وجمع علم المفصل في الفاتحة أم القرآن، وجمع علم أم القرآن في هاتين الكلمتين الجامعتين‏:‏ ‏{‏‏إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}‏‏ ‏[‏الفاتحة‏:‏5‏]‏ وإن علم الكتب المنزلة من السماء اجتمع في هاتين الكلمتين الجامعتين‏

هذا والله سبحانه أعلم وأحكم وإن أصبت فبفضل الله وتوفيقه وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان وأسأل الله العفو والمغفرة وآخر دعوانا أن الحمدالله رب العالمين

لفهرس المواضيع الرجاء الضغط هـــــــــــــــنــــــــــــا

^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^^

--

--

No responses yet