والعبرة والموعظة والدروس (سمعنا وأطعنا)
سورة البقرة هي أطول وأشمل سور القرآن الكريم قاطبة بما حوته من أحكام وتشاريع وفرائض وحدود قد يشكل الإلتزام بها تحديا لإيمان بعض المسلمين، كما ذُكر فيها العديد من القصص، ولكن أن تأخذ اسمها من قصة قصيرة وردت فيها لهو دليل أكيد على علاقة القصة بمضمون وأهداف السورة وأهمية هذه القصة وضرورة العناية والاهتمام بها والإستفادة من معانيها ودروسها، والقصة هي باختصار أن رجلا من بني إسرائيل قتل عمه الثري ليرثه وألقى التهمة على رجل آخربريء، فاختلف الناس فيمن يكون القاتل،وأراد القوم من موسى عليه السلام أن يكشف لهم القاتل الحقيقي إثباتا لنبوته، فأوحى الله سبحانه إلى موسى عليه السلام أن يأمرهم بذبح أي بقرة لا على التعيين ثم يضربوا جثة القتيل بجزء من لحمها ليقوم حيا ويبعث من موته فيخبرهم بقاتله الحقيقي، ولكنهم بدل أن يبادروا وينفذوا الأمرتلكؤوا وماطلوا بالسؤال عن صفات البقرة وجادلوا موسى عليه السلام مرة بعد مرة بعد مرة، حتى أن صفات البقرة التي طلبها الله سبحانه منهم لم تعد تنطبق إلا على بقرة وحيدة لا غير، فباعها صاحبها لهم بوزنها ذهبا ليتم ذبحها ومعرفة القاتل، وقد أملى الله لهم في مجادلتهم وشاكلهم ليفضح سرائرهم ويشدد عليهم جزاء مجادلتهم ومماطلتهم لأمر الله الذي جاء به نبيهم موسى عليه السلام وهذا من خصالهم وطبائعهم الراسخة عندهم، والآن لنرى كيف قص القرآن الكريم القصة بهذا الأسلوب العجيب المخالف للتسلسل الزمني لأحداث القصة حيث قدم فقرة المماطلة والجدال على حادثة القتل ليظهرويؤكد قبيح فعلهم بمحاولة التهرب من تنفيذ أمر الله سبحانه
نلاحظ أن القرآن الكريم لم يذكر القصة بتسلسلها الزمني وإنما قدم تفاصيل المجادلة والمماطلة لأمر الله قبل أن يذكر السبب وهو حادثة القتل والأصل أن يكون التسلسل هكذا مع تعديل بعض الكلمات لمراعات تسلسل النص
ولو أنهم أطاعوا ابتداء وبادروا لتنفيذ الأمر ولم يدخلوا في هذه المماطلة والجدال لأمر الله لكانت القصة قصيرة سلسة بدون تعقيد ولا تبعات
وإنما أراد الله سبحانه من سرد هذه القصة وأن يعنون بها أطول سورالقرآن الكريم ليظهرعظيم هذه المعصية وليؤكد ويفضح طباع وسجايا اليهود ليتعظ من يتعامل معهم ويعرف أساليبهم المنحرفة فيأخذ حذره منهم، وهم لم يتورعوا أن يجادلوا الله سبحانه في بقرة، وما آل إليه حالهم من قسوة القلوب وسوء المصير، فنتعظ بمصيرهم ولا نكون مثلهم فنجادل الله في أوامره ونواهيه بل نبادر إلى التنفيذ فكما قالت أمنا الحبيبة عائشة رضي الله عنها في مدح مبادرة نساء الأنصار لتنفيذ أمرالله بعد نزول آية الحجاب بدون تردد ولا جدال: رحم الله نساء الأنصار، لما نزلت (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين) الآية، شققن مروطهن فاختمرن بها، ولكننا اليوم مع الأسف نرى ألوانا أشد وأوقح من فعل قوم موسى من بعض ممن ينتسب للإسلام في تعامله مع الأحكام والأوامروالنواهي، ويريد أن يخضعها لحكم العقل والهوى، مع الكثير من التشكيك وقلة الأدب بحجة القدم وعدم ملائمة العصر، ثم نتسائل عن أسباب هذه المصائب وقسوة القلوب التي أصابتنا، والقصة باختصار تشير إلى الفرق بين أمة اتخذت من سمعنا وعصينا منهجا ومن المطلوب من الأمة المرضية سمعنا وأطعنا والتي كانت في الآيات خاتمة السورة والله تعالى أحكم وأعلم
نسأل الله سبحانه الهداية والتوفيق لما يحبه ويرضاه من النية والقول والعمل وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين
******** الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها التقطها ********
****************************************************************