حذف و إثبات الحرف بدلالة المعنى (مثال: أكن , أك)
من الأساليب المبهرة الدقيقة التي يوظفها النص القرآني المحكم حذف أو إثبات حرف في كلمة ما حسب القاعدة كل زيادة في المبنى تستدعي زيادة في المعنى فحذف الحرف يوحي بالدقة والصغر والتخفيف في حين أن إثباته يعني التأكيد أو التثقيل أوالتكبير ومثالنا في هذه الحالة هو حرف النون في كلمة كان و مشتقاتها تكن أو تك, أكن و أك … الخ
في الآية أعلاه تم حذف حرف النون من كلمة تكن لأن الله سبحانه أراد أن يُذكََرزكريا عليه السلام من أنه خلقه من لا شيء (تك شيئا) لأن المشهد هو تعجب زكريا من أن يرزقه الله ولدا وقد تقدم سنه وسن زوجه, في حين أن النص المشابه في الآية الكريمة التالية من سورة الإنسان أثبت حرف النون (يكن شيئا مذكورا) لأن الآية لا تنفي وجود الإنسان و لكن ليس له شأن فلا يذكره الناس
أما الآية التالية من سورة مريم فتم حذف حرف النون (أك بدل أكن) لأن المشهد تعجب مريم من إمكانية حملها وولادتها بدون أدنى علاقة أو إتصال بأي برجل بعلاقة محرمة وهي الطاهرة التي أكد الله طهارتها واصطفائها مرتين متتاليتين في سورة آل عمران
أما الآية التالية فحذف حرف النون (تك بدل تكن) ناسب التصغير لمثقال حبة من خردل وهو أصغر ما يتصور ولكن أثبتها في فتكن في صخرة ليؤكد أن كينونتها ووجودها في أي مكان لا يحول من وصول القدرة الإلهية التامة إليها
أما المثلين التاليين في سورتي النحل و النمل فيكاد النص يتماثل فيهما فيتعجب المرء من حذف النون من تك في سورة النحل وإثباتها تكن في سورة النمل ولكن يزول التعجب وتظهر الحكمة و الدقة واللطف الآلهي عند تدبر دقائق النصين الكريمين
ففي سورة النحل المشهد لكرب وهم وغم عظيم أصاب النبي صلى الله عليه وسلم وقد رأى شهداء أحد وعمه حمزة وقد مثََل المشركين بهم وقد غضب لذلك وتوعدهم لإن أظفره الله عليهم ليمثلن ب 30 منهم فواساه الله وصبره فلا يبقى في صدره أدنى ضيق وأباح له الإنتقام والعقوبة بمثلها بدون إسراف أو زيادة وأكد له أن ليس له من أمرالتشريع أدنى شيء وأن الأمر كله لله, في حين أن المشهد في سورة النمل مشهد هادىء لحوار عادي يرجو منه النبي عليه السلام أن يهدي به المشركين وقد امتلىء قلبه حزنا عليهم خوفا من أن يموتوا على الكفر
وفي الآية التالية من سورة هود ينهى الله نبيه الكريم أن يكون عنده أدنى شك ولذلك ناسب حذف النون (فلا تك في مرية)
وتتوالى الأمثلة بين حذف وإثبات بما يتناسب مع السياق والمقام
فسبحان الله العظيم على هذه الأساليب الدقيقة اللطيفة التي لم يعدها البشر من قبل ولا من بعد والتي تشهد بما لا يدعو للشك بأن الله أنزل الذكر الحكيم وتعهد بحفظه فكتبه الصحابة بدقة تامة ونقل إلينا على هيأته الأولى كما نزل أول مرة والله سبحانه أعلم وأحكم وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين